المنافع البيئية والاقتصادية لتدوير النفايات البلدية الصلبة في المدن العربية

  المقدمة :
حتى اليوم تشكل النفايات البلدية الصلبة عبئاً ثقيلاً على المجتمعات العربية من النواحي الصحية والبيئية والاقتصادية ، وذلك نتيجة الأساليب البدائية التي لا زالت سائدة حالياً في التعامل مع هذه النفايات في معظم المدن العربية .
وقد طورت في العديد من الدول المتقدمة طرق حديثة لمعالجة هذه النفايات يمكن بواسطتها تحويلها من مصدر للتلوث إلى سلعة اقتصادية . وفي الفقرات التالية عرض موجز للواقع الراهن لمرفق النفايات البلدية الصلبة في الوطن العربي ، والطرق الحديثة التي يمكن إتباعها في المدن العربية لمعالجة هذه النفايات بما يضمن حماية البيئة من التلوث ، والإسهام في تحقيق تنمية مجتمعية مستدامة تواكب النهضة الشاملة المرتقبة في الوطن العربي .

3- تقويم الواقع الراهن لمرفق النفايات البلدية الصلبة في الوطن العربي :

لا توجد حتى الساعة إحصاءات أو سجلات دقيقة وموثقة عن خصائص وسمات مرفق النفايات البلدية الصلبة في الوطن العربي ، إلا أن كافة الدراسات التي أجريت حتى الآن من قبل جهات حكومية وخاصة في عدد من الدول العربية أكدت، رغم عدم تكامل هذه الدراسات ، على ضعف كفاءة هذا المرفق لأسباب عديدة . وقد أوجزت في الجدول 1 ملامح الواقع الراهن لهذا المرفق في ثماني مدن عربية ، مستخلصة من عدد من الدراسات السابقة .

الجدول 1 : ملامح الواقع الراهن لمرفق النفايات الصلبة في بعض المدن العربية (*) - 3- 4 -







4- مقارنة بين الإدارة المتكاملة للنفايات البلدية الصلبة والواقع الراهن في المدن العربية:

تهدف الإدارة المتكاملة للنفايات بشكل عام إلى الاقتراب ما أمكن من الحالة المثالية التي تحقق حماية الصحة العامة ، ودرء تلوث البيئة المحيطة بكامل عناصرها ، وصون الموارد الطبيعية ، وذلك ضمن ما اصطلح عليه الصرف المنعدم Zero Discharge للنفايات في الوسط المحيط – 2 -. ولهذا تعمل مختلف الطرق الحديثة للإدارة المتكاملة للنفايات البلدية ضمن ثلاثة محاور متفاعلة مع بعضها البعض تشكل دارة مغلقة بحيث يكون فيها مصدر النفاية و مكبها بعد المعالجة في نفس الموقع ، ويطلق عليها الثلاثية " أ " (*) والتي تعني :
- انقص إنتاج النفايات ( تحديث طرق التصنيع )
- أعد استخدام المنتج قبل طرحه كنفاية ( استخدام المنتج أكثر من مرة ما أمكن ذلك قبل طرحه )
- أعد تدوير النفايات ( إعادة التصنيع )
بينما تعمل الطرق الحالية لمعالجة النفايات في الوطن العربي ضمن دارة مفتوحة يغذي فيها المصدر المكب بالنفايات الخام المتراكمة باستمرار ، شكل 1 .







5- الطرق الحديثة في معالجة النفايات البلدية الصلبة :

يتحقق المحوران الأولان للثلاثية أ " انقص الإنتاج – أعد الاستخدام " بتحديث طرق الإنتاج من قبل الصانع ، وبالاستخدام الرشيد للسلعة أكثر من مرة من قبل المستهلك كلما كان ذلك ممكناً ، بينما يتحقق المحور الثالث الخاص بإعادة تدوير النفايات لإغلاق الدارة السابقة ، باتباع الطرق الحديثة في التدوير ، وإدخال أكثر ما يمكن من النفايات في العملية الصناعية مرة ثانية للحصول على منتجات جديدة ذات قيمة اقتصادية من النفايات الباقية . وهنا يمكن إيجاز هذه الطرق في الصنفين التاليين :


* يقابلها في اللغة الإنكليزية الثلاثية R " Reuse – Recycle – Reduce "

أ – تدوير النفايات مع الكمر Recycling and Composting
ب- تدوير النفايات مع استرجاع الطاقة Recycling and Energy Recovery

وفي كلا الصنفين يلزم إنشاء محطة لاسترجاع النفايات القابلة للتدوير Material Recovery Facility – MRF ، شكل 2 ، يتم فيها فرز وتصنيف وتدوير تلك النفايات ( ورق وكرتون – بلاستيك – معادن – زجاج – خشب ..) ليسهل تسويقها بعد ذلك كمواد جاهزة لإعادة التصنيع . وعادةً يجري جمع هذه النفايات مفروزة بشكل أولي عند مصادرها ، إذ نادراً ما تستقبل هذه المحطات النفايات الصلبة المختلطة بما في ذلك فضلات الطعام .






5-1 الكمرComposting

تحول فضلات الطعام ، التي تشكل نسبة عالية من اجمالي النفايات البلدية الصلبة في المدن العربية ، إلى محطات الكمر Composting Plants ، شكل 3 ،حيث يتم فيها جمع هذه النفايات على شكل أكوام منعزلةStaticPiles ، أو مستمرة Windrows ، يجري تهويتها لتفكيك المواد العضوية المشكلة لهذه النفايات وتحويلها إلى سماد عضوي يمكن أن يستخدم كمخصب للأراضي الزراعية ، بمعدل وسطي حوالي 10 طن / هكتار / سنة - 5 -. وبهذه الطريقة يمكن الاستغناء عن كمية ملحوظة من السماد الكيماوي ذي التأثيرات السلبية على البيئة ، كما يمكن زيادة انتاجية المحاصيل بما لا يقل وسطياً عن 25 % .







5-2 – استرجاع الطاقة Energy Recovery

في هذه الطريقة يتم استرجاع الطاقة المختزنة في النفايات العضوية وذلك على شكل غاز حيوي Biogas ، أو وقود سائل نظيف بيئياً نظراً لاحتراقه شبه الكامل وعدم إطلاقه غازات احتراق (NO x , SO x , CO2) ضارة بالبيئة كما هو الحال عند احتراق الوقود الاحفوري الشائع ( النفط والفحم) .
وقد طورت حديثاً طرق لإنتاج الطاقة تعتمد على مبدأ التغويز بالبلازماPlasma Gasification ، يتم فيها تحطيم ( تفكيك ) مكونات النفايات العضوية في جو خال عملياً من الأكسجين ، وتحت حرارة عالية جداً لا تقل عن 4000 درجة مئوية ما يؤدي إلى انتاج غاز وقود من هذه النفايات مؤلف من أول أكسيد الكربون ونسب قليلة من الهيدروجين والنتروجين ، وبعض الشوائب ، بالإضافة على بعض المنتجات الجانبية ، شكل 4 (7).
يستفاد من غاز الوقود هذا في إنتاج الطاقة الكهربائية النظيفة ، وبعض المنتجات الجانبية ( حمض كلور الماء ، وثاني سلفات الصوديوم ) .







ومنذ وقت قريب طورت شركة أميركية طريقة لاستخدام هذه التقنية لإنتاج وقود الإيثانول (Ethanol,C2H5OH) من الوقود الغازي،إضافة إلى الاستفادة من الطاقة الحرارية لإنتاج الكهرباء، وتقطير المياه . وهذه الطريقة يمكن أن تستقبل معاً وفي آن واحد كافة أنواع النفايات البلدية الصلبة المنزلية، والخطرة ، و اللاعضوية دون الحاجة إلى فرز مسبق أو تحضير ، شكل 5 .


لقد أمكن بهذه الطريقة إنتاج حوالي 220 لتر إيثانول ، أو حوالي 1 ميغا واط كهرباء من كل طن واحد من النفايات العضوية ، إضافة إلى إمكانية تقطير حوالي 3 متر مكعب من مياه البحر أو المياه العسرة والحصول على مياه نقية عالية الجودة وذلك من تحويل كل طن واحد من النفايات بهذه الطريقة .
يمكن تلخيص المزايا البيئية ، والاقتصادية لهذه الطريقة بالتالي :
- إمكانية معالجة كافة أنواع النفايات العضوية واللاعضوية ( حوالي 99% من إجمالي النفايات المختلفة ) ، دون تمييز ، أو تحضير ، أو فرز مسبق ، شكل 6 .
- إلغاء الحاجة إلى المكبات عملياً ، وحماية البيئة ، والمياه الجوفية من أخطار التلوث – 7 -.
- الإسهام في الإقلال من انتشار غازات الدفيئة ، وبالتالي الإسهام في الحد من التسخين العالمي . وكذلك عدم انتشار مختلف الملوثات الى الجو المحيط مقارنة بالطرق السائدة حالياً ( المكبات والمحارق ) ، شكل 7 .
- الحصول على نواتج ذات قيمة سوقية ( وقود – كهرباء – مياه مقطرة – مواد كيماوية ) .
- توفير فرص عمل جديدة .







6- مؤشرات اقتصادية للطرق الحديثة في معالجة النفايات البلدية الصلبة :

لوضع تصور عن المؤشرات الاقتصادية الحالية والمتوقعة للطرق الحديثة في معالجة النفايات البلدية الصلبة في المدن العربية أجريت مقارنة بين المؤشرات الحالية ( عام 2004 ) وتلك المتوقعة عام 2030 وذلك فيما يتعلق بالقيم السوقية الحالية للمواد ، وعلى أساس الفرضيات التالية :
- عدد السكان الحالي في الوطن العربي : 315 مليون نسمة
- عدد سكان المدن والتجمعات السكانية الكبيرة : 70 % من الإجمالي السكاني
- معدل الزيادة السكانية خلال فترة الدراسة : 2%
- معدل الزيادة الوسطية في الأسعار خلال فترة الدراسة: 3 %
وباعتبار قيم وسطية للأرباح الحالية ، والمتوقعة عام 2030 من مبيع المواد القابلة للتدوير بما في ذلك الطاقة الكهربائية ، أمكن وضع الجدول رقم 2 الذي يمثل المؤشرات الاقتصادية الحالية والمتوقعة عام 2030 لعمليات إعادة التدوير الحديثة في المدن العربية .
الجدول 2 : المؤشرات الاقتصادية الحالية ، والمتوقعة عام 2030من عمليات تدوير النفايات البلدية الصلبة في المدن العربية ( أرقام تقديرية )






(*) : م : مليون ، ن : نسمة ، كغ : كيلو غرام ، ي : يوم ، ط : طن ، س : سنة ، م3 : متر مكعب ، $ : دولار أميركي ، هـ : هكتار.

وبفرض أن المدن العربية ستكون قادرة على إعادة تدوير 50 % من إجمالي النفايات المطروحة في عام 2030 تكون الريعية المتوقعة في ذلك العام كالتالي :


وذلك إضافةً إلى الفوائد البيئية الجمّة لهذه الطرق الحديثة .



7 – نتائج وتوصيات :

يتبين من هذه الورقة الموجزة بأن تطوير مرفق النفايات البلدية الصلبة في المدن العربية يعتبر مطلباً ملحاً ، وذا أولوية قصوى إذا أريد للوضع البيئي أن يتحسن . ومن أجل ذلك يوصى بالتالي :

أ – إعداد وتنفيذ خطة استراتيجية ومتكاملة لإدارة النفايات في كل بلد عربي تأخذ بالاعتبار مختلف المتطلبات التشريعية ، والمؤسسية ، والاجتماعية ، والمالية ، والفنية الخاصة بإنجاح هذه الخطة .
ب- إحداث مركز عربي لأبحاث وتقنيات النفايات الصلبة على اختلاف أنواعها ، يكون له فروعاً في كافة الدول العربية. ويهدف هذا المركز لتبادل الخبرات ، ودعم برامج التدريب والتطوير المناسبة ، وعقد الندوات ، والمؤتمرات ، والمعارض ذات العلاقة . على أن يصدر عن هذا المركز مجلة مهنية دورية على مستوى الوطن العربي في مجال تقنية النفايات الصلبة . ويمكن لمنظمة المدن العربية أن تأخذ المبادرة في إحداث ودعم وتسيير هذا المركز المقترح . 
 
المرجع: بحث مقدم من سعادة:
الأستاذ الدكتور المهندس/ أحمد فيصل أصفري

مستشار هندسي – الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية

دولة الكويت